Loading…
العرق
  • العرق: حقيقة أم وهم؟

    نشأت فكرة "العرق" في القرن الثامن عشر، عندما استخدم علماء الأنثروبولوجيا المواقع الجغرافية والسمات الجسدية لتقسيم الناس إلى مجموعات عرقية مختلفة ذات خطوط واضحة

    عوضًا عن إبراز مجموعات شرعية من الأشخاص المرتبطين معًا بتاريخهم الواحد وثقافتهم المشتركة والمتجذرين منذ فترة طويلة، يستخدم مفهوم "العرق" في محاولة لتقسيم الناس تبعًا لسماتهم الجسدية - مثل الجلد أو الشعر أو لون العينين

             في ما لو نظرت إلى جميع الناس في العالم، ستجد أن مفهوم العرق غير عملي تمامًا ولا يتوافق مع الواقع. في الحقيقة، لا يمكن لأي كان حتى الموافقة على أي تعاريف أو فوارق للأعراق. من الواضح أن السّمات الجسدية ليست واضحة بما يكفي لتبرير وجود "أعراق" مميزة ، لذلك دعونا نلقي نظرة فاحصة على تاريخ الجينات البشرية، وعلاقتنا بها

    التباسات علم الوراثة

             تكمن مشكلة استخدام التصنيف، عندما يتعلق الأمر بعلم الوراثة البشرية، في أن جيناتنا لا تتناسب مع فئات صغيرة مختلفة ومتقنة. تنتشر الجينات في جميع أنحاء العالم مثل شبكة عنكبوتية. لا يمكن إرجاع العديد من السمات إلى أصل واحد كونها تطورّت بمفردها تمامًا في أكثر من منطقة، وبدون "الانتماء" إلى مكان واحد أو مجموعة سكانية واحدة

    على سبيل المثال، يمكن إرجاع لون الجلد الفاتح إلى الجينات التي مصدرها آسيا والشرق الأوسط، كما يمكن إرجاعها أيضًا إلى الجينات الإفريقية المصدر

             يمكن لشخصين أن يتشابها وراثيًا بينما هما مختلفان في المظهر؛ وقد يتشارك الشخصان اللذان لديهما الكثير من أوجه الشبه في المظهر العام بشكل أقل وراثيًا:\؛ يرجع السبب في ذلك أن الجينات لا تعبّر جميعها عن نفسها ظاهريًا

    الهجرة

             استمرّ الناس بالتنقل حول العالم لفترات طويلة، انتقل الفايكنغ إلى أميركا الشمالية، والإسبان إلى أميركا الوسطى والجنوبية، وانتقل الأفارقة الشماليون بشكل متكرر عبر التاريخ شمالًا والأوروبيون جنوباً. كانت المجموعات تهيم وتجول في جميع أنحاء العالم لسبب أو لآخر، لذلك ليس لدينا فقط أشخاص يمتلكون الأنواع ذاتها من السمات الجسدية التي مصدرها جميع أنحاء العالم، بل لدينا كذلك عدد كبير من هؤلاء الأشخاص يتحركون في كل مكان وينشرون ويشاركون سماتهم الجسدية المحددة

    الإثنية في مقابل العرق

             يمكننا تجميع هذه المجموعات التاريخية  من الناس بشكل فضفاض حسب الانتماء الإثني، وهو مفهوم يخلط الكثيرون بينه وبين العرق. الانتماء الإثني هو أيضًا مفهوم مجرّد لتجميع الناس، ولكن في هذه الحالة، يتمّ ربط المجموعات الإثنية معًا من خلال لغة واحدة وثقافة مشتركة أكثر منه من خلال السمات الجسدية. نظرًا لأن المجموعات الإثنية تميل إلى التمسّك ببعضها البعض وتطوير/نشر سمات معينة، يمكن أن يكون لهذه المجموعات غالبًا سمات جسدية مشتركة أيضًا

             ولكن، إذا كانت لديهم سمات جسدية متشابهة، فلماذا يتم اعتبارهم إنتماء إثنيًا وليس عرقًا؟ فكرة العرق تتعارض مع الواقع البيولوجي. الحقيقة هي أنه لا يمكن تقسيم الناس إلى مجموعات متميزة ذات خطوط واضحة مبنية فقط على سماتهم الجسدية. بالتأكيد، قد يكون لدى أيرلندا أعلى نسبة من ذوي الشعر الأحمر مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى، ولكن لا يُنظر إليهم على أنهم عرق خاص بإيرلندا. لا يحدث التنوع فقط بين مجموعات من الناس، بل يحدث داخلها أيضًا

    التصنيف

             كما تعلّمنا أعلاه، فإن مفهومنا للعرق واضح المعالم، على الرغم من أننا كبشر أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. نميل إلى تقسيم أنفسنا بشكل واضح للغاية لأن لدينا غريزة طبيعية لفرز كل شيء في حياتنا إلى فئات متميزة: الظلام والضوء، الصديق والعدو، الآمن والخطير وما إلى ذلك. القدرة على تبسيط السمات المتنوعة للجميع إلى فئات، وبالتالي معرفة إلى أين  "ينتمي" شخص ما، يساعد أدمغتنا على إدارة التعقيد الهائل وتنوع البشر

             هذا ما يسمى التصنيف. تقوم كلاب الرعي بذلك عندما تكون خارج الحقل: فهي لا تتعرف على الأغنام التي قد تحتاج العودة لجزّ وبرها أو النعاج التي سيتم الاحتفاظ بها للتكاثر. الكلاب تراها بأجمعها خرافًا، وبما أنها تعلم أن الخراف تذهب إلى مكان معين  فهي تسوقها جميعها إلى هذا المكان المحدد. أن يروا كل خروف كجزء من مجموعة كاملة، وليس فردًا، يجعل من عملهم أكثر بساطة

             في الحقيقة، إن علم الوراثة ليس بسيطًا. ففي الواقع، لا يمكننا حتى الاتفاق على تحديد العرق - تغيّرت تعريفات العرق باستمرار على مر القرون، حتى إنها تختلف بين كل منطقة ودولة في جميع أنحاء العالم. نحن نخون بنياتنا الخاصة بالعرق طوال الوقت: إذا لم يكن من الممكن ربط السمات المميزة للشخص بأي مجموعة موجودة، فسيتم اعتبار سماته مجرّد سمات شخصية خاصة به

    الأمم والدين وأثرهما على مفهوم العرق

             لا يمكننا فهم العرق والعنصرية دون النظر إلى تأثير القومية والأيديولوجية. كان لظهور المفاهيم القومية مثل "إفريقيا السوداء" و "أوروبا البيضاء" تأثير كبير على طريقة تكوين المجموعات العرقية

    ولكن، في حين أن الناس اليوم قد يتظاهرون بأن الحدود الجغرافية تميّز بشكل ما وتفصل الأجناس عن بعضها البعض. في الحقيقة، إن بناء حدود القارة علاقته شبه محدودة، هذا إن وجدت، بسمات النمط الظاهري.  تاريخيًا، تمّ تداول الأراضي التي تنتمي الآن إلى أوروبا وأفريقيا عدة مرات فيما بينها، ومن الواضح أن مسألة ملكيتها لم تكن تتعلق بلون بشرة الشعوب التي تعيش على هذه الأراضي

    مع ذلك، فقد أصبحت كل قارة مرتبطة "بمجموعة عرقية" رئيسية ، ومنحت الحقوق الحصرية لمجموعة معينة من السمات الجسدية، على الرغم من حقيقة أن هذه السمات تظهر أيضًا في قارات أخرى. كما ذكرنا، نشأت نظرية العرق في أوروبا في القرن الثامن عشر تحت ستار "العلم"، نظرًا لأن العالم الغربي كان يُنظر إليه في ذلك الوقت على أنه الرائد وفي طليعة التقدم والحضارة فقد انجرف مفهوم العرق في تلك الحماسة وأصبح رمزًا "للحداثة". وقد أفاد هذا أوروبا أيضًا، لأنه برر استعمار أوروبا لآسيا بإقرار التفوق الاجتماعي للأوروبيين كجزء من العرق "الأبيض

             كمثال واحد فقط على مدى قوة مفهوم القارات التي لها عرق مرتبط محدد، ضع في اعتبارك حقيقة أن العديد من الناس لا يزالون غير قادرين على فهم سبب تمتع سكان البحر الأبيض المتوسط الأصليين في شمال إفريقيا ، الأمازيغ، بلون بشرة فاتح على الرغم من أنهم يعيشون في أفريقيا - التي نفكّر بها على أنها قارة السود. إن فكرة الانتشار الواسع للناس ذوو البشرة "الفاتحة" في منطقة من المفترض أن يحكمها أناس "داكنون" لا تتناسب مع أفكارنا حول العرق، لذا لفهم ذلك، أنتج بعض الناس حركة تعرف بـالإسرائيليين العبرانيين السود، الذين يزعمون أن الثقافات والتاريخ الأمازيغي والمصري قد سُرقوا منهم، وبدلاً من مجرد قبول الحقائق، قاموا بصياغة تفسيرهم الخاص كطريقة للحفاظ على أفكارهم وتعزيزها، بدلاً من أ يجبروا على الاعتقاد أن أفكارهم ربما ليست صحيحة تمامًا

             إن فكرة وجود أعراق مميزة تقسم البشرية إلى أجزاء متأصلة للغاية، والبعض منا على استعداد لإنكار الواقع التاريخي فقط لمواصلة الإيمان بتلك الفكرة. اكتسب العرق زخمًا لأول مرة لأنه أعطى قوة لفكرة التفوق الأوروبي على المستعمرات، ولا يزال مفهومًا شائعًا اليوم، حيث لا يزال من الممكن استخدامه لاكتساب القوة وتبريرها. إنه يضع الأساس للاعتقاد بأن بعض مجموعات الأشخاص تتفوق بشكل طبيعي على مجموعات أخرى، مما أدى إلى اختلال توازن القوى العالمية لصالح بعض المجموعات على غيرها.

             يوضح هذا السيناريو سببًا آخر لعدم توافق مفهوم العرق مع الواقع: إذا قمنا بتصنيف الناس بالاعتماد على تجربتنا الشخصية مع أشخاص آخرين، فإن تعريفاتنا للعرق ستكون مختلفة بناءً على التجارب التي مررنا بها. النظرية التعسفية وغير الواضحة للعرق ليست طريقة صالحة لتقسيم البشرية أو تعريفها

    1/5

About

.جهاد، الفتاة الصّغيرة التي واجهت أشد أنواع التّفرقة العُنصريّة إثر اسمها التي لم تختره بنفسها، بل كان اختيار والديها

.لنخترق ما وراء الحجاب لنكشف حقيقة العنصريّة، والقوميّة، والإسلاموفوبيا بعدسة علمية مُحايدة