عندما نفكر في قارات العالم المختلفة، فإننا نفكر عادة في كتلة كبيرة من الأرض تكون في الغالب منفصلة عن الأخريات،
11/02/2022.جهاد، الفتاة الصّغيرة التي واجهت أشد أنواع التّفرقة العُنصريّة إثر اسمها التي لم تختره بنفسها، بل كان اختيار والديها
.لنخترق ما وراء الحجاب لنكشف حقيقة العنصريّة، والقوميّة، والإسلاموفوبيا بعدسة علمية مُحايدة
إنّ شكل العنصرية الذي نراه اليوم موجود بشكل كبير، لأن العلماء، في نقاط مختلفة من التاريخ، صمّموا على تقسيم شعوب العالم إلى فئات محددة
كان الإيمان بالأفكار العلمية العنصرية والالتزام بها، والتي يشار إليها عمومًا باسم "العنصرية العلمية"، شائعًا في بداية القرن الثامن عشر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. منذ النصف الثاني من القرن العشرين، تمّ انتقاد العنصرية العلمية بشكل متزايد باعتبارها غير سليمة وقديمة. ومع ذلك، على الرغم من كونها فقدت مصداقيتها على نطاق واسع، فقد تم استخدامها بإصرار لإثبات صحة وجهات النظر العنصرية التي تستند إلى الإيمان بوجود وأهمية التسلسل الهرمي للفئات العرقية. تدعي مثل هذه المعتقدات أن هناك بالفعل شيء مثل الأجناس المتفوقة والدنيا
في القرن الثامن عشر، قام العالم كارل لينايوس بواحدة من أولى المحاولات لتصنيف البشر بيولوجيًا. في عمله Systema Natura (1758)، استخدم لينيوس الجغرافيا القارية ونظام الألوان لتقسيم البشرية إلى "الأوروبي الأبيض" و "الآسيوي الداكن" و " الأميركي الأحمر" و "الزنجي الأسود". وقرر لينيوس أيضًا سمات كل عرق بناءً على آرائه الخاصة، فكانت السمات الشخصية والمهينة مثل الأوروبيين "المتفائلين، والآسيويين "الحزينين والمتشددين"، والمواطنين الأميركيين "الغاضبين"، والأفارقة "الهادئين والكسالى" هي السمات التي اختاره
ربما كان لينايوس من أوائل من صنّف البشر بهذه الطريقة، لكنه بالتأكيد لم يكن الأخير، إذ أن محاولات أخرى للتصنيف كانت أيضًا تبسيطية وشخصية وغير موضوعية، مثل رأي ماينر (1793) بأن جميع الأمم مشتقة من مجموعتين: الشعوب البيضاء الجميلة، والتي تضمنت السلتيين والسارماتيين والأمم الشرقية؛ والشعوب القبيحة الداكنة التي تألّفت من كل الشعوب الأخرى
عالم الفيزيولوجيا الألماني يوهان فريدريك بلومنباخ، الذي دُعِيَ غالبًا أبو الأنثروبولوجيا الفيزيائية، قسّم الجنس البشري إلى خمس "أصناف"، متخطيًا لينايوس بفئة واحدة. ولكن، على عكس لينايوس وماينر، لاحظ بلومنباخ أنه لا يمكن رسم خطوط واضحة للتمييز بين هذه الأصناف، لأنها تميل إلى الاندماج و"التكيّف" مع بعضها البعض. فكرة "مزج" السمات مع بعضها البعض تقترب قليلاً من الطريقة التي يفكر بها العلماء في الشجرة الجينية البشرية اليوم، على الرغم من أنها لا تزال تميّز بين الأعراق التي لم يعد العلم الحديث يقبل بها
شملت فئات بلومنباخ الخمس: الأميركية، والماليزية، والإثيوبية، والمنغولية، والقوقازية. في عرض مثير للاهتمام للتفضيل العرقي، اختار المصطلح قوقازي لتمثيل الأوروبيين لأن جمجمة من جبال القوقاز في روسيا كانت، بحسب رأيه، الأجمل. كانت هذه المصطلحات لا تزال شائعة الاستخدام من قبل العديد من العلماء في أوائل القرن العشرين، ولا يزال معظمها يستخدم اليوم كتسميات رئيسية لسكان العالم
كان بلومنباخ يؤمن بـ "الفرضية الانتكاسية" للأصول العرقية. آمن بأن آدم وحواء كانا من سكان القوقاز في آسيا، وأن الأجناس الأخرى نشأت عن طريق انتكاس العرق القوقازي جرّاء العوامل البيئية مثل الشمس وسوء التغذية؛ وادعى كذلك أن التصبّغ الزنجي كان نتيجة حرارة الشمس الاستوائية، بينما تسببت الرياح الباردة في اللون الأسمر المصفّر للإسكيمو، وكان الصينيون يتمتعون ببشرة فاتحة مقارنة بالمخزونات الآسيوية الأخرى لأنهم حافظوا على بقائهم في الغالب في المدن المحمية من العوامل البيئية
مرة أخرى، يتطرق بلومنباخ إلى بعض النظريات البيولوجية الشرعية - أن تصبغ الجلد هو استجابة للبيئة - ولكن مع الاستدلال الخاطئ - بأن جميع التصبغات الأخرى إلى جانب القوقازية مشتقة من لون الجلد القوقازي الوحيد نتيجة للانحطاط. كان يعتقد أن "الانحطاط" المقترح يمكن عكسه من خلال التحكم البيئي المناسب وأن جميع الأشكال المعاصرة للإنسان يمكن أن تعود إلى العرق القوقازي "الأصلي
في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر، أحد أبرز علماء أميركا كان طبيبًا يُدعى صمويل مورتون عاش في فيلادلفيا. بصفته جامعًا للجماجم، قَبِلَ الجماجم التي تم انتشالها من ساحات القتال وانتزعت من سراديب الموتى
اعتقد مورتون، مثل بلومنباخ، أن البشرية يمكن تقسيمها إلى خمسة أعراق، آمن بشكل ملحوظ أنها تمثل أعمال خلق منفصلة
كان أيضًا للأعراق التي اقترحها خصائص مميّزة تتوافق مع مكانها في التسلسل الهرمي المحدّد إلهيًا. زعم مورتون أن "البيض" أو "القوقازيين" – ومن بينهم أشخاصًا من أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا - هم الأكثر ذكاءً. الشرق آسيويون - أو "المنغوليون" بمصطلحات مورتون - كانوا أدنى بمرتبة واحدة. أدنى من ذلك كانوا الجنوب شرق آسيويون، يليهم الأميركيون الأصليون. في الأسفل يوجد "السود"، أو "الأثيوبيون". كان هذا الهيكل الهرمي هو بالضبط ما تحتاجه العنصرية العلمية حقًا لدفع مفاهيم التفوق العرقي والعنصري إلى الساحة الرئيسية. مع مثل هذا التسلسل الهرمي المهين الذي وضع "السود" في القاع، سرعان ما تم تبني أفكار مورتون من قبل أولئك الذين أيّدوا العبودية ودافعوا عنها
يُعرف مورتون اليوم بلقب أب العنصرية العلمية. يمكن إرجاع الكثير من رعب القرون القليلة الماضية إلى نظرية مورتون الواسعة الانتشار بأن أحد الأعراق أقل شأنا من الآخر. ما زلنا، إلى درجة غير مريحة، نعيش مع إرث مورتون: تستمر الفروق العرقية في تشكيل سياساتنا وأحيائنا وحواسّنا الذاتية. لا يزال هذا هو الحال على الرغم من أن النتائج التي توصّل إليها العلم الحديث حول وجود العرق هي عكس ما جادل به مورتون
اعتقد مورتون أنه قد حدد الاختلافات الثابتة والموروثة بين الناس، ولكن في الوقت الذي عمل خلاله - قبل وقت طويل من اكتشاف الحمض النووي - لم يكن لدى العلماء أي فكرة عن كيفية نقل السمات. الباحثون الذين تمكنوا منذ ذلك الحين من مشاهدة ودراسة الأشخاص على المستوى الجيني يجادلون الآن بأن مفهوم العرق بأكمله مفهوم خاطئ
في الواقع ، عندما شرع العلماء في تجميع أول جينوم بشري كامل - والذي توصلوا إليه عن طريق صنع مركّب من الحمض النووي للعديد من الأفراد - جمعوا عمدًا عيّنات من الأشخاص الذين عرَّفوا بأنفسهم على أنهم أعضاء في العديد من الأعراق المختلفة. استنادًا إلى النتائج التي توصل إليها مشروع الجينوم البشري، الذي لا يزال يجري أبحاثًا وراثية حتى اليوم، يعتبر العديد من العلماء الآن أن العرق هو بناء اجتماعي أكثر مما هو بيولوجي
سعت المجتمعات الأوروبية وتلك المنحدرة من أصل أوروبي إلى تبرير ليس فقط مؤسسة العبودية، ولكن أيضًا تهميشها الوحشي المتزايد لجميع الشعوب غير الأوروبية، عبيدًا أو أحرارًا. أصبح العلم هو الوسيلة التي "أكدوا" من خلالها تفوقهم على جزء كبير من الشعوب الأكثر زخرًا بالميلانين. قدمّ العلماء في أوروبا وأميركا الحجج والأدلة لتوثيق دونية غير الأوروبيين مما أتاح انتهاكات واسعة النطاق وذات دوافع عنصرية لحقوق الإنسان في شكل العبودية ثم فيما بعد العنصرية الخبيثة السائدة في البلدان التي يفترض أنها "حرة ومتساوية
تدريجيًا، من خلال التقدّم العلمي، أصبح من الواضح أن الاختلاف البشري لم يكن في الواقع نتيجة لامتلاك مورثات معينة أو عدمه. عوضًا عن ذلك، اكتشفنا أن هذه الاختلافات في المظهر تتوافق مع وراثة الترددات المتغيرة لمجموعة الجينات نفسها المشتركة بين جميع مجموعات البشر
لم يعد الفضل في البشرة الداكنة يعود إلى المورث الذي يمتلكه بعض الأشخاص ("الأدنى") ولا يمتلكه البعض الآخر ("المتفوق"). في الواقع، لدينا جميعًا نفس المورثات، القادرة على إنتاج كل سمة بشرية، والسمات التي نتوصل إليها تعتمد فقط على عدد الجينات التي لدينا منها أكثر أو أقل. لا يوجد نظام تصنيف يفصل البشر إلى أنواع مميزة، أو حتى سلالات فرعية، يمكن له أن يصمد أمام ضوء هذه العلوم
ومع ذلك، بحلول نهاية القرن التاسع عشر، كانت فكرة التسلسل الهرمي للأجناس التي رفعت بعض الأمم والأشخاص فوق الآخرين مقبولة على نطاق واسع من قبل العديد من الطبقات العليا في أوروبا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة. كان الأثرياء والأقوياء متغطرسين في كثير من الأحيان اعتقادًا منهم بأن مكانتهم وموقعهم المتفوقان لهما ما يبررهما ومؤمّن طبيعيّا. كثيرون هم الناس اليوم، بسبب نقص المعلومات والتعليم حول هذا الموضوع، ما زالوا يعتقدون حقًا أن الأجناس موجودة مع اختلافات بيولوجية واضحة بينها
.جهاد، الفتاة الصّغيرة التي واجهت أشد أنواع التّفرقة العُنصريّة إثر اسمها التي لم تختره بنفسها، بل كان اختيار والديها
.لنخترق ما وراء الحجاب لنكشف حقيقة العنصريّة، والقوميّة، والإسلاموفوبيا بعدسة علمية مُحايدة